قصص من كتاب كليلة ودمنة كاملة، ويضم كتاب كليلة ودمنة مجموعة كبيرة جدا من القصص التي ترجمها عبد الله بن المقفع في العصر العباسي الى اللغة العربية، ويقال أن بن المقفع قد غير من أسلوب عرض الكتاب نوعاً ما.
وقد أجمع معظم الباحثين على أن الكتاب الأصلي له جذور هندية تعود الى القرن الرابع الميلادي، وكانت اللغة السنسكريتية هي اللغة الأولى لقصص الكتاب إلى أن تمت ترجمته إلى اللغة الفهلوية.
وتدور قصص الكتاب كتاب كليلة ودمنة الذي ألفه الحكيم الهندي لملك الهند وقت ذاك حول شخصيات من الحيوانات والطيور تُشير في حقيقتها الى شخصيات بشرية واقعية.
ويتكون الكتاب من حوالي خمسة عشر باباً رئيسياً، يضموا بين صفحاتهم العديد من القصص التي تحتوي على مواعظ وحكم ومواضيع مختلفة، والتي عبر عنها شخصيات مختلفة كالأسد والثور وغيرهم، وهو الأمر الذي جعل النقاد والمؤرخين يضعون الكتاب في الطبقة الأولى من كتب التراث العربي مع كتاب الكامل للمُبرد والبيان والتبيين للجاحظ والعمدة لابن رشيق.
حكايات كليلة ودمنة
يذكر أنه كان هناك مجموعة من القرود الذين يعيشون فوق أحد الجبال، وذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة هبت عليهم رياح قوية وأمطاراً شديدة.
فأرادوا أن يشعلون ناراً للتدفئة ولكنهم لم يجدوا ما يشعلون به النار، و بينما هم كذلك وجدوا يراعة – هي حشرة يُضيء ذيلها ليلاً وكأنه شعلة نار– تطير كأنها شرارة، فظن القردة أنها شرارة من نار فقاموا وجمعوا الحطب الكثير وألقوه على الحشرة وأخذوا ينفخون بأفواههم محاولين إضرام النيران التي ستنقذهم من برد الشتاء القارص.
وكان بالقرب منهم شجرة يقف عليها طائراً يتابع ما يفعله القردة، فأخذ يناديهم ليخبرهم بحقيقة تلك الشعلة وهو يقول: لا تتعبوا أنفسكم فهذه حشرة وليست نار، فلما صعب عليه أمر اقناعهم نزل إليهم ليخبرهم عن قرب، فمر بجواره رجل فقال له:
لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، فإن الحجر الصلب الذي لا ينقطع لا تجرَب عليه السيوف ، و العود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس ، فلا تتعب نفسك معهم يا هذا .
لكن الطائر لم يهتم لكلام الرجل ورفض ان يستجيب له واقترب من القردة لينصحهم، فقبض عليه أحد القردة بيديه و ضربه بالأرض حتى مات الطائر!
قصص عن الحيوانات
يُحكى أنه كان هناك نجار يقوم بشق الخشب وهو يركب عليه فكان كلما شق منه مسافة ذراعاً ادخل فيه وتداً ، وأثناء ذلك كان هناك قرداً شقياً يتابع النجار من بعيد وقد أعجبه ما يفعله النجار.
وعندما ذهب النجار لقضاء حاجة ما ذهب القرد وركب فوق الخشب وجعل وجهه قبل الوتد فقبض عليه وضغط عليه بشدة حتى انه كاد ان يفقد وعيه من شدة الألم.
وعندما عاد النجار فوجد القرد على فعلته فأقبل عليه يضربه بشده حتى أنه عًوقب من النجار بأشد مما عوقب من جراء فعلته.
ويضرب بهذه القصة المثل فيمن يقوم بالفعل والقول الذي لا يناسب له، فيقال:
لزم الشق على ذنب القرد
القملة والبرغوث
يقال أنه على فراش أحد الرجال الأغنياء استوطنت قملة لزمن طويل، فكان اذا حضر المساء وجاء الرجل الى فراشه تنشط القمله وتشرب من دمه ما يُشبعها وهو نائم لا يشعر حتى تنتهي.
وذات ليلة من الليالي حضر اليها برغوثاً ليمكث معاها فاستضافته القملة وقالت له: أمكث معي هذه الليلة فأنا لدي هنا دم لذيذ وفراش مريح.
فبقي معاها البرغوث ومكثوا حتى حضر الرجل الى فراشه هجم عليه البرغوث فلدغه لدغه شديدة أيقظت الرجل من نومه مفزوعا، فقام الرجل من فراشه وأمر خدمه بتنظيف الفراش فلم يروا سوى القملة فأخذوها وقتلوها بين أظافرهم، بين فر البرغوث هارباً.
ويضرب بهذه القصة مثل لا تأمن لأحد حتى لا يصلك منه ما أصاب القملة من البرغوث، وهكذا سنقدم لكم في هذا الموضوع عدد كبير من الأمثلة التراثية.
أمثال من التراث العربي
يقال انه كان هناك ثعلباً اقترب من شجرة مُعلق بها أجمة فيها طبل، وكانت الرياح كلما هبت على أغصان تلك الشجرة تحركت الأغصان فتصطدم بالطبل فيصدر صوت عظيم وصاخب.
توجه الثعلب الى الشجرة لما سمعه من صوت عظيم وهو يظن أن ذلك الشيء نظرا لضخامة صوته سيكون مليئاً باللحم والشحم اللذيذ، واخذ الثعلب يركله حتى كسره فلم يجد بداخله شيء بل كان أجوفاُ، فقال الثعلب: لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتاً وأعظمها جثة.
في العجلة الندامة
قال الفيلسوف: ذات يوم قيل أن أمرأة ما قد وضعت طفلا جميلاً فرح به أبوه فرحاً شديداً، وبعد مرور الأيام جاء وقت تطهرها فقالت لزوجها: خذ ابنك حتى أغتسل واعود، وذهبت الى الحمام تاركة زوجها وابنها يجلسان أمام باب المنزل.
فلم تلبث طويلاً حتى جاء رسول الملك يطلب من الزوج ان يحضر معه الى الملك، فلم يجد الزوج من يترك معه الطفل سوى ابن عرس – هو حيوان صغير يشبه القطط – الذي كان قد رباه الزوج منذ صغره، فتركه معه وأغلق عليهما باب المنزل وذهب الى الملك.
وبعد قليل خرجت من بين أحجار المنزل حية سوداء كادت تقتل الطفل ولكن ابن عرس وثب عليها فقتلها وأكلها حتى تلطخ فمه من دم الحية.
وعندما عاد الرجل وجد ابن عرس في المقدمه يقف كمن فعل بطولة، فلما رآه الزوج ملطخاً بالدماء طار عقله دون تفكير ظناً منه انه قتل ابنه وأكل لحمه، فأخذ يضرب ابن عرس بعكازه الثقيل على رأسه حتى مات، وعندما هدأ سمع صوت صغيره بجانبه حياً سليماً وبجانبه رأس الحية التي أكلها ابن عرس، عندها فهم الرجل حقيقة الأمر وكيف خسرته العجلة حيوانه المفضل الأمين، فأخذ يلطم وجهه ويقول: ياليت لم أرزق هذا الطفل، ولم أغدر هذا الغدر.
قصة تاجر الحديد
في بلاد ما كان هناك رجلاً يتاجر في الحديد، وذات يوم قرر الرجل السفر لابتغاء الرزق في مكان آخر، وكان لديه قرابة مائة طن من الحديد، فاستأمن رجلاً من جيرانه الحديد وذهب لوجهته.
وبعد مرور سنوات كثيرة عاد الرجل وذهب الى جاره ليأخذ منه أمنته من الحديد فقال له الجار: لقد أكلت الجرذان حديدك.
فقال التاجر: صدقت يا أخي لقد سمعت أن الحديد يلين أمام أسنان الجرذان، فرح الرجل بنجاح كذبته.
وعندما خرج التاجر متجهاً لمنزله وجد ابن التاجر فأخذه وذهب به الى منزله وأخفاه معه، وفي صباح اليوم التالي عاد الرجل الى التاجر ليسأله عما اذا كان قد رأى ابنه في مكان ما بالأمس. فقال له التاجر: اتذكر اني عندما خرجت من عندك بالأمس رأيت أحد طيور الباز يختطف طفلا يشبه ابنك لعله هو.
فأخذ الرجل يصرخ ويلطم وجهه وهو يقول: يا قوم هل سمع أحدكم من قبل أن طيور البزاة تخطف الأطفال؟ّ!
فقال له التاجر: نعم كما سمعنا أن جرذان الأرض تأكل مائة طن من الحديد، فأدرك الرجل ما يحدث وقال للتاجر: أنا من أكلت حديدك يا أخي وهذا ثمنه أعد الى ابني اذاً.
وتضرب هذه القصة المثل الذي يوضح ان الصاحب اذا غدر بالغير فانه ليس موضع للمودة والثقة.
عزيزي القارئ نتمنى أن نكون قد رضينا توقعاتكم عن قصص كتاب كليلة ودمنة عبر موقع شملول ونحن على استعداد لتلقي تعليقاتكم واستفساراتكم وسرعة الرد عليها.